الحلقة الرابعة عشرة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!
تطبيقات عملية من تاريخ الأمة المسلمة لموضوع القلة المتميزة !!
قبل التطرق لأعظم تطبيق عملي في تاريخ الأمة المسلمة لموضوع الفئة القليلة المؤثرة؛ المستندة إلى توفيق الله تعالى وعونه في أداء عملها، أود أن أشير إلى أمر مهم؛ وهو أن القلة المؤثرة قد تكون آحادا من الناس، وليس بالضرورة أن تكون القلة -دائما- مجموعة متجانسة من الناس !! فقد يكون لعالم من العلماء في مجال من مجالات العلوم -الشرعية أو المادية- أثر ونفع كبير على الأمة !! فالعلماء المجددون قد يكونون أفرادا !! وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) [السلسلة الصحيحة (599)] !!
ولو نظرنا إلى كافة مجالات الحياة لوجدنا القلة المؤثرة؛ إمّا أن تكون زرافات من الناس أو تكون وحدانا !! حتى في مجال من يسوس الناس؛ نجد أن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى كان فردا واحدا مؤثرا !! وفي المجال العسكري نجد القعقاع رحمه الله تعالى كان فردا واحدا مؤثرا !! قال عنه أبو بكر رضي الله عنه “لصوت القعقاع بن عمرو في الجيش خير من ألف رجل” [أسد الغابة (4/390)]، وقال عنه أيضا: “لا يهزم جيش فيه مثل هذا” [تجارب الأمم (1/332)] !! وكذلك كم من تاجر واحد كان له من الأثر الكبير والنفع العظيم على أمته ؟؟!! وقلة من التجار المسلمين ارتحلوا إلى أندونيسيا؛ فأصبحت دولة مسلمة بفضل الله تعالى ثم بفضل تمسك أولئك التجار بقيم دينهم !!
أمّا التطبيق العملي الأهم في تاريخ أمتنا المسلمة لموضوع القلة المؤثرة؛ فهو تطبيق يهم كل الأمم؛ مسلمها وكافرها !! ألا وهو موضوع القوة العسكرية المؤدي بطبيعة الحال إلى تمكين الأمة وفرض احترامها بين الأمم !!
القلة المؤمنة في غزوة بدر فرق الله تعالى بها بين الحق والباطل، قال تعالى: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال : ٤١] !!
دعونا نتأمل بعض المعالم البارزة لتلك القلة المؤمنة يوم بدر:
أولا: مواطن قوتها: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ • وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ • وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال : ٤٥-٤٧] !! وهذا جانب من جوانب الإعداد الذي ألمحت إليه في الحلقة الماضية من هذه السلسلة !!
ولذلك بين الله تعالى أن القلة المؤمنة إذا كانت في أعلى درجات استعدادها الإيماني والمادي؛ فإن الواحد منهم يكافئ عشرة من عدوهم !! ثم تتغير النسبة بحسب النزول في الضعف، حتى تصل إلى أن المؤمن يكافئ رجلين عند أدنى حالات الضعف لدى القلة المؤمنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ • الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : ٦٥-٦٦] !!
ثانيا: هزيمة الشيطان -العدو الأكبر- ودحره: وهذا ما تتميز به القوة العسكرية المسلمة، أنها تخطط لدحر الشيطان قبل وبعد تخطيطها لدحر عدوها البشري !! قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال : ٤٨]، وقال تعالى: {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران : ١٧٥] !! [وقد وفق الله تعالى لكتابة حلقات عن العدو الأكبر -الشيطان الرجيم- يجدها القارئ في مدونة فؤاد قاضي] !!
ثالثا: نصر الله تعالى للقلة المؤمنة: لقد نصر الله تعالى القلة المؤمنة يوم بدر بأنواع من النصر والتأييد؛ منها الملائكة -عليهم السلام- يقاتلون معهم، قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال : ٩]، وقال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال : ١٢]، ومن أنواع النصر الأخرى قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال : ١١] !!
وأخيرا: فالأمثلة على التطبيقات العملية لموضوع القلة المتميزة في أمتنا المسلمة كثيرة وفي كافة المجالات، وليس هدفي استقصاؤها، ولكن الإشارة إلى شيء منها !!
نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!