الحلقة الثالثة عشرة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!
مما تفرد به علم الإدارة في الإسلام: العناية بالفئة القليلة المؤثرة؛ المستندة إلى توفيق الله تعالى وعونه في أداء عملها !!
باريتو عالم اقتصاد إيطالي؛ احتفى الإداريون بحديثه عن مبدأ (٨٠ : ٢٠) أو القليل المؤثر؛ الذي يدور حول الإنسان والإنتاج وغير دلك من التطبيقات، فمثلا: ٨٠٪ من الإنتاج سببه ٢٠٪ فقط من الأهداف المرسومة لهذا الإنتاج !! وهذا يدعو -عند التخطيط مستقبلا- إلى تقليص الأهداف إلى ٢٠٪ مؤثرة، بدلا من ٨٠٪ هدف لا نحتاج إلى ٦٠٪ منها !!
وفَرَحُ الإداريين من غير المسلمين بموضوع القليل المؤثر ليس غريبا، ولا غبار عليه !! فقد كانوا قبل أقل من قرنين يعيشون ظلمات بعضها فوق بعض؛ ليس بشركهم بالله تعالى فقط، بل بجهلهم حتى بالعلوم المادية؛ في وقت ازدهرت فيه حضارة الإسلام العظيمة شرقا وغربا في كافة المجالات !!
لكن الغريب أن يغيب عن أبناء الأمة المسلمة إدراك اهتمام الإسلام بموضوع الفئة القليلة ذات النوعية المتميزة المؤثرة؛ الذي قرره القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو موضوع عرفه رسل الله عليهم السلام منذ القِدم، وطبقوه بتفرد، كما سيأتي بيان ذلك في هذا المقال !!
قال الله تعالى في تقرير أهمية موضوع الفئة القليلة ذات النوعية المتميزة: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة : ٢٤٩] !! نلاحظ أن الإسلام جعل الإنسان مدار موضوع الفئة القليلة ذات النوعية المتميزة المؤثرة؛ لأن الأعمال تصدر منه، سواء كان التخطيط ووضع الأهداف، أو التنفيذ !!
لكن الإسلام لم يكتف بإقرار موضوع القلة النوعية المؤثرة؛ وأن مداره الإنسان، بل تفرد ببيان ثلاثة محاور لإنجاح هذا الموضوع المهم:
المحور الأول: ضرورة إعداد القلة المؤثرة حتى تنجح في إحداث الأثر المطلوب، قال الله تعالى في نفس الآية: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ} [البقرة : ٢٤٩]، والتربية -التدريب بمصطلح الإداريين- ضرورة ومطلب حتمي لإعداد القلة النوعية المتميزة !! وهذا ما قام به نبي الله تعالى طالوت عليه السلام مع أصحابه في مسألة الشرب من النهر، لتخلص له بعد ذلك القلة النوعية المتميزة؛ الذين أجرى الله تعالى النصر على أيديهم !!
المحور الثاني: استمداد واستنزال الفئة القليلة المؤثرة توفيقها من خالقها العليم القدير !! وهذا ممّا تفرد به الإسلام أيضا في موضوع القلة النوعية، قال تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}، فالقلة النوعية المتميزة؛ هي كذلك مؤمنة بأنه لا تتحرك ذرة في هذا الكون الفسيح إلا بعلم وتقدير من خالقها سبحانه !!
المحور الثالث: ضرورة استمرار القلة النوعية المتميزة في أداء عملها بالصبر عليه، قال تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وقال صلى الله عليه وسلم حينما سئل: أي العمل أحب إلى الله قال: (أدومه وإن قل) [رواه مسلم (216)] !! فلا ينفع الإسلام كثيرا أن تأتي قلة متميزة لتعمل عملا مميزا واحدا ثم تختفي !! إذ لابد من استمرار العمل المميز من القلة النوعية المميزة، والصبر على ذلك، حتى تكون الثمرة كبيرة وجلية ومميزة !!
ولعلنا في الحلقة القادمة نعرض -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- للتطبيقات العملية من تاريخ الأمة المسلمة لموضوع القلة المتميزة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!