الحلقة الثانية عشرة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!
مما تفرد به علم الإدارة في الإسلام: نظام الاستشارة والاستخارة !!
ليس إنشاء المؤسسات والشركات والمصانع، أو عقد الصفقات التجارية، أو غير ذلك من أمور الاقتصاد بأقل حاجة إلى الاستشارة والاستخارة حين الإقدام على عقد الزواج أو الرغبة في السفر أو غيرها من الأمور؛ التي نجد أن الكثير من المسلمين يهتمون بالاستشارة والاستخارة فيها !!*
أولا: الاستشارة:
اعتنى الإسلام بالاستشارة وأمر بها وجعلها من صفات المؤمنين الصادقين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الشورى : ٣٨]، وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران : ١٥٩] !!
وكان صلى الله عليه وسلم يطلب المشورة من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين .. من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر: (أشيروا علي أيها الناس)[صححه أحمد شاكر في عمدة التفسير]… كذلك استشارته لزوجه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية حينما لم يحلق الصحابة ليحلوا من عمرتهم؛ حين قبِل صلى الله عليه وسلم أن يعتمر العام القابل [رواه ابن حبان بسند صحيح] !!
وقد أخذت الاستشارة في عصرنا هذا صورا متنوعة، منها الاجتماعات وفنونها، ومنها العصف الذهني، ومنها الدراسات الاستشارية مثل دراسة جدوى المشاريع، وكل هذه صور متجددة من الاستشارة التي حث الإسلام عليها !!
ثانيا: الاستخارة:
كما اعتنى الإسلام بالاستشارة؛ فقد اعتنى بالاستخارة، فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : ( اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ . وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) وَفِي رواية ( ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) )[رواه البخاري] !!
الاستخارة؛ تفرد للإسلام عظيم في علوم الإدارة .. وهو طلب العون من الله تعالى أن يهديك ويختار لك الأصلح من الأمور التي أنت مقدم على فعلها، وأن يصرف عنك سيئها !!
إنه الفلاح والنجاح الذي لا يماثله نجاح، سؤال علام الغيوب المحيط بكل شيء والمالك لكل شيء أن يعينك بعلمه وقدرته على اختيار الأصلح من الأمور !! سواء في الأمور الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها من مجالات الحياة المختلفة !! ثم الأعظم يأتي بعد الاستخارة؛ وهو الارتياح النفسي الأكمل والرضا بما يقدره الله لك ويقضيه !!
وأخيرا: ما أصدق معنى المقولة الشهيرة “ما خاب مَن استشار، ولا ندم مَن استخار” !! وعلى كل مسلم أن يعمل بهذه المقولة التي حث الشرع الحنيف على مضمونها .. وعلى كل إدارة أو مؤسسة -أيا كان مجال عملها- أن يكون من أهم قيمها -الاستشارة والاستخارة- لتحظى بتوفيق الله تعالى لها في كافة أعمالها !! وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ كم هو عظيم أن يستشير المدير في عمله ويستخير إذا أقدم على إحداث وظيفة جديدة في إدارته، أو فصل موظف من وظيفته ؟؟!!
نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!