التأمل المفيد (٥٢)

الحلقة الحادية عشرة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!

مما تفرد به علم الإدارة في الإسلام: نظام المحاسبة الشاملة، قال صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره) [رواه البخاري] !!

ليس غريبا على منظري الإدارة من غير المسلمين أن ينظروا بإعجإب وتقدير إلى رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال الكتريك؛ جاك ويلش (Jack Welch) كأحد أقوى رئيس شركة، حيث ترامت شهرته في الجوانب الإدارية المختلفة؛ وخاصة إقدامه على فصل جميع من لا تنتفع الشركة من أدائهم !!

لكن الغريب أن يغيب عن بعض أبناء الأمة المسلمة إدراك عظمة وشمولية قوله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)؛ حيث تم قصره عند البعض على قضايا الظلم الصارخ الواضح كالقتل أو السرقة، ولم يدركوا أن لقوله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) تطبيقات في كافة مجالات الحياة، ينتفع بحكمتها الظالم والمظلوم .. وليس كما يروج عند غير المسلمين من شعارات؛ كشعار أن البقاء للأقوى !!

كم تحتاج البشرية إلى (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) لإقامة نظام محاسبة شامل لسلوك الأفراد -الظالم منهم والمظلوم- في كافة مؤسسات المجتمع !!

(انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا): تحتاجه الأسرة لإنجاح العملية التربوية، حتى يرسخ في أذهان الناشئة أن المسيء منهم لنفسه، أو لأحد أفراد عائلته؛ سيُمنع من التمادي في إساءته، فضلا عن إنصاف المظلوم منهم !!

(انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا): تحتاجه جميع المؤسسات التعليمية -مدارس، معاهد، جامعات، وغيرها- حتى يرسخ لدى الطلاب والمتدربين أن الطريق إلى النجاح فيها هو الجد والاجتهاد المقرونين بحسن الخلق !! فينتصف للمظلوم؛ طالبا أو معلما .. ويحاسب المسيء طالبا أو معلما !! حتى لو تفاقمت المشاكل واحتيج إلى فصل للطالب أو المعلم؛ مادام أن هذا في الصالح العام !!

(انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)، تحتاجه كافة الإدارات الحكومية والأهلية حتى يندفع الجميع نحو العمل المخلص الدؤوب؛ نتيجة محاسبة وتوجيه الظالم والمظلوم في هذه الإدارات !! ولا شك أن كثيرا من أسباب تعطيل الإنتاج في الإدارات ستنتفي؛ كالتسيب وهدر الأموال والأوقات وسوء التعامل مع شرائح المستفيدين من هذه الإدارات !!

وأخيرا: فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)، كان واقعا يعيشه المجتمع المسلم !! ومن أعظم الأمثلة على ذلك نزول قرآن يُتلى في حوادث كثيرة في نصرة الظالم والمظلوم -وفق ما بينه صلى الله عليه وسلم في كيفية نصرة الظالم والمظلوم- من ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء : ١٠٧]، وقد نزلت هذه الآية في قصة اليهودي المظلوم الذي رماه نفر من الناس بسرقة درع .. فنصره الله تعالى -لأنه مظلوم- من فوق سبع سماوات بأن برأه !! كما نصر الله تعالى الظالمين الذين اتهموه بسرقة الدرع؛ بمنعهم من الظلم حين كشفهم وقال سبحانه عنهم في الآية التي بعدها: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء : ١٠٨] !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!