التأمل المفيد (٤٧)

الحلقة السادسة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!

مما تفرد به علم الإدارة في الإسلام: فن القيادة !!

وتفُرد الإسلام في طرح موضوع فن القيادة يتجلى في محاور عدة:

منها: مواكبة الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الناس !! حيث القيادة مجال ذكوري؛ هيأ له تعالى في تكوين الرجل، وفي مجال أنشطته ما يدفعه إلى ممارسة القيادة في بيته ومجتمعه .. تماما كما هيأ سبحانه في تكوين المرأة، وفي مجال أنشطتها ما يعينها على القيام بدورها الكبير في رعاية زوجها وأولادها في بيت آمن مستقر، تحفه الرحمة والمودة والاطمئنان !!

وليس غريبا أن تبدر من رجل شرطة غربي غير مسلم -يعيش في مجتمع أخذت الأسرة فيه تتفكك- أن يقول بعد قبضه على مجرمين قتلة: “نحن جيدون في القبض على السيئين، لكننا لا نستطيع إصلاح الأُسرة” !!

هذا الخلل في إصلاح الأسرة ما وصلوا إليه إلا حينما نظروا بامتهان ودونية لعمل المرأة كربة أسرة، ومن ثم زجوا بها مع الرجال لتشاركه أنشطته القيادية في المجتمع؛ فخابوا وخسروا !! وانعكس الأمن إلى جرائم متنوعة بأرقام فلكية؛ جراء تمردهم على منهج الله تعالى !!

ومحور ثان في تفرد فن القيادة في الإسلام: أن جعل قواعد فن القيادة الثلاثة الكبرى -العمل بالقيم وبذل الجهد والقدرة على التوجيه- تنمو في نفس المسلم منذ نعومة أظفاره !! 

فالعمل بالقيم وبذل الجهد والقدرة على التوجيه لا تُعطى للمسلم في دورة اسمها “فن القيادة” يحضرها قُبيل تنصيبه مديرا لجهة من الجهات !! بل هو علم وعمل متواصل منذ صغره، ويستمر في تنميتها وتعاهدها حتى آخر لحظة من حياته !!

فالعمل بالقيم؛ الذي تطرحه دورات القيادة في هذا العصر -من ضرورة أن يتحلى القائد بالقيم المثلى كالصدق والأمانة وغيرها من عشرات القيم- هذه القيم بالنسبة للمسلم واجبات؛ منذ صغره !! يحرم عليه مخالفتها !!

وبذل الجهد في كل المجالات للارتقاء بالفرد والمجتمع مطلب إسلامي عظيم؛ على كل مسلم أن يرتقي فيه، وقد جاءت مئات النصوص الشرعية بالحث عليه، من ذلك قول الله تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة : ٤١]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ • كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف : ٢-٣] !! 

وإذا كان المنظرون لفن القيادة في الغرب والشرق قد أجمعوا على أن القائد يزداد أثره على أتباعه كلما كان أكثر وأكبر منهم في بذله الجهد لتحقيق أهداف مؤسسته؛ فإن بذل الجهد بالنسبة للمسلم من المسلمات التي ترتقي به إلى مصاف الصادقين عند الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات : ١٥] !! 

ولقد كان صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة في بذل الجهد في ذات الله تعالى، ولذلك تأثر به صلى الله عليه وسلم أتباعه -رضوان الله عليهم- واستجابوا له تلك الاستجابة التي لا نظير لها في تاريخ البشرية كله !!

وأمّا القدرة على توجيه الناس؛ فهو الميدان الكبير الذي أوجبه الله على كل مسلم وحببه له، وهو مجال الدعوة؛ الذي يمارس فيه الداعية النصح والتوجيه -سواء في بيته وهو يوجه أهله وأولاده، أو في مكان عمله- وقد تفطن أهل هذا العصر من منظري الإدارة لأهمية أن يكون القائد متكلما يجيد التوجيه، فقدموا الدورات في هذا المجال لمن تبوأ منصبا قياديا !! ولكن الإسلام -كما سبق وقلت- يدفع بالمسلم دفعا ليكون متكلما ناصحاً وموجها لغيره؛ منذ الصغر وحتى آخر لحظات حياته !!

ومحور ثالث في تفرد فن القيادة في الإسلام:  وهو نوع من التطبيق العملي لفن القيادة يسره الله تعالى لكل رجل مسلم، وهو قيادته لأسرته، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [السلسلة الصحيحة (285)] !! فمن ينجح في قيادة أسرته التي يحتك بها طوال حياته وعلى مدار الليل والنهار؛ حري به أن ينجح في قيادة مجموعة في بيئة عمله يكون مجال تعامله معها محدودا ويسيرا !!

وأخيرا: فإن الأمة المسلمة -بفضل منهج الله تعالى- قد أخرجت -ولا تزال- أعدادا لا تُعد ولاتُحصى من القادة العِظام؛ لم تعرف البشرية أنبل ولا أصدق ولا أشجع قادة منهم !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!