الحلقة الخامسة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!
العمل المؤسسي؛ ما هي روحه وما هو جسده ؟؟!!
نجاح العمل المؤسسي في مؤسسة من المؤسسات شيء عظيم وجميل !! لكن الأجمل من ذلك والأعظم نجاح العمل المؤسسي في مجتمع بأكمله !! إذ هنا نجاح في إدارات عدة ومؤسسات شتى، تضم شرائح مختلفة من الصغار والكبار، والرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، والأصحاء والمرضى !! وهذا ما حققه المصطفى صلى الله عليه وسلم، حينما أضحى مجتمعه الأنموذج الأعلى للمجتمعات !!
مؤسسو العمل المؤسسي المبهر العظيم وموجدوه على مدار تاريخ البشرية هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حيث أحاطوا به من جوانب لم تحطها بطاقة الأداء المتوازن -وهي البطاقة المعروفة اليوم في عالم الإدارة؛ والتي يحمل كل ضلع منها عنوانا مهما في إدارة العمل المؤسسي؛ كالمال والتعليم والعمليات والمستفيد- حيث اكتفت البطاقة عند الإداريين من غير المسلمين بتغطية جسد العمل المؤسسي، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم زاد على ذلك أمراً مهما وعظيما، فقد نفخ في العمل المؤسسي روحه؛ التي لا يحيا ولا ينجح إلا بها !!
إذن للعمل المؤسسي في الإدارة الإسلامية الربانية روح وجسد، والأخير -جسد العمل المؤسسي- هو ما تضمنته بطاقة الأداء المتوازن عند منظري الإدارة اليوم؛ بمحاورها الأربع: المال والتعليم والعمليات والمستفيد !!
دعونا أولا نتأمل في عناية الإدارة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمحاور ما يسمى ببطاقة الأداء المتوازن -حيث لم تكن البطاقة معروفة في عهده صلى الله عليه وسلم- ثم أُثني ببيان ما تفردت به الإدارة الإسلامية من تأسيس العمل المؤسسي على قاعدتين ربانيتين نفخت في العمل المؤسسي روحه التي لا يحيا إلا بها !!
فعلى جانب المحور المالي وضرورة تنميته لإنجاح العمل المؤسسي، فقد علم الرعيل الأول ذلك من كتاب ربهم العليم الحكيم، الذي بين لهم أولا: أن المال قيام للناس، تقوم به مصالحهم، قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء : ٥]، فكانوا أنجح الناس في تنمية الموارد المالية، حتى أن جميع الآيات الحاثة على البذل في كتاب الله تعالى قدمت البذل بالمال على النفس؛ فيما عدا آية واحدة .. وثانيا: علمهم دينهم صرف هذ المال واستخدامه في أمثل الطرق وأنفعها، بدون تبذير ولا تقتير !!
وأمَا محور النمو والتعليم، فمن عساه يكون أكثر اهتماماً بتعليم الناس ما ينفعهم وينمي عقولهم وفكرهم وقدراتهم في الأمور المختلفة؛ من أنبياء الله عليهم السلام ؟! حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق أسرى بدر من قريش مقابل تعليم هؤلاء الأسرى للصحابة رضوان الله عليهم !!
وأمّا محور العمليات، وإجراءات العمل، بكل ما تضمنته، من إسناد العمل لأهله، والتوصيف الوظيفي الذي لا محاباة فيه لأحد، إلا التأهيل !! فهو دأب الأنبياء عليهم السلام، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نصّب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص رضي الله عنهما قادة للسرايا والجيوش، لأهليتهم وخبرتهم القتالية؛ على أكابر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين !! وعن إجراءات العمل، فحتى العبادات الصِرفة يعرف المسلم شروطها وأركانها وواجباتها وسننها، وهذه كلها تنضوي تحت ما يسمى بباب الإجراءات في هذا العصر !! وهكذا عرفوا أهمية وجود إجراءات العمل في التعاملات؛ التي امتلأت بها الكتب !!
وأمّا التعامل مع العملاء والمستفيدين، فمن يزيد على تعامل الأنبياء عليهم السلام الحسن مع عباد الله تعالى؛ ومراعاة أحوالهم ؟؟!! وهذا الموضوع كتبت فيه مجلدات ولله الحمد والمنة !!
ما سبق كان حديثا عن بطاقة الأداء المتوازن ومحاورها الأربعة وعناية الإسلام بها العناية المُثلى !! وهو ما أسميته بجسد العمل المؤسسي !!
وأمّا الجانب الآخر من العمل المؤسسي، والذي يُعد روحه وقلبه، فهو الذي تفرد به الإسلام !!
فهل لمؤسسة أن تنجح إذا لم تتخذ الشيطان عدواً، وإذا لم يكن العاملون فيها إخواناً متحابين في الله تعالى ؟؟!!
أمّا عدم اتخاذ الشيطان عدوا من قبل الأفراد والمؤسسات -كما وجه القرآن الكريم بذلك، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر : ٦] !!- فإن عاقبة ذلك وخيمة وخطيرة !! إذ من يصل به الغباء ليسلم نفسه لعدو يجري فيه مجرى الدم ؟؟!! من فعل ذلك فلا يلومن إلا نفسه؛ أفرادا أو مؤسسات؛ إذا وجدوا الشيطان يأمرهم بهدر المال والوقت؛ حتى خلال ساعات العمل !! وإذا وجدوا الفساد بأنواعه المختلفة يضعف مؤسساتهم وينخر فيها حتى تعلن الإفلاس !!
وأمّا الأخوة في الله فهي بلا شك أعلى ممّا تنادي به الإدارة في عصرنا الحاضر بِما يسمى بروح الفريق !! حيث يتعالى المسلمون في بيئة العمل عن ظلم وحسد بعضهم بعضا، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسَدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا – عباد الله – إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يظلِمه، ولا يخذُله، ولا يكذِبه، ولا يحقِره، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضه) رواه مسلم !!
وأخيرا: أعلم أن المسلمين يعرفون أهمية اتخاذ الشيطان عدوا !! ويعلمون أهمية الأخوة في الله تعالى !! لكنني أبين حال من رفع الراية في علم الإدارة من المنظرين في الشرق والغرب من غير المسلمين؛ من الذين لا يعيرون للشيطان حسابا، ولا يعرفون أخوة الإسلام !! حتى نشكر نعمة الله تعالى علينا أن منّ علينا بالإدارة الإسلامية في كل تصرفاتنا؛ أفرادا ومجتمعات !!
وإذا قال قائل كلامك هذا جميل لكن واقع مجتمعات المسلمين تعكس تخلفا إداريا كبيرا في كثير من مجتمعاتها !! فأقول نعم !! لكن علينا التوبة والاستغفار من ذلك وتصحيح المسار نحو نهضة إدارية ترضي ربنا سبحانه وتعالى !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!