التأمل المفيد (٤٤)

الحلقة الثالثة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!

وفق الله تعالى وقلت في الحلقة الثانية من هذه السلسلة: “كانت الإدارة في عهده صلى الله عليه وسلم ربانية الصنعة ..” !! انتهى .. ولتوضيح ذلك أقول مستعينا بالله تعالى:

بات من المسلمات في علم الإدارة؛ ضرورة صياغة المؤسسة أو المنظمة لرسالتها؛ لتجيب عن السؤال: ماهي المؤسسة وماذا تريد ؟! تلخيصا لأبرز أهدافها؛ والغاية من وجودها !! وهذا التعريف المختصر لمفهوم الرسالة موجود على الشبكة العنكبوتية !!

وفي المقابل، فإن الإسلام صاغ وحدد الرسالة التي يحتاجها الفرد ويحتاجها المجتمع بكل مؤسساته ومنظماته؛ بل ويحتاجها العالم بأسره، قال تعالى: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} [هود : ٨٤] !! إنها الرسالة الربانية التي على البشر أن يصيغوا رسالة مؤسساتهم ومنظماتهم وفقها !! وهي رسالة لم تبدأ مع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل هي قديمة قِدم آدم عليه السلام، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف : ١٧٢] والاعتراف بالرب يلزم منه الانقياد له سبحانه !!

وأنا هنا -في هذه المقالات المختصرة- لن أسرد كيف أدى الانقياد والاستسلام لله تعالى إلى الارتقاء بالمجتمع المسلم وإلى النجاح والفلاح في كل ضروب الحياة !! فهذا يحتاج إلى كتابة سيرته صلى الله عليه وسلم ذات الثلاث وعشرين سنة !! لكنني سأبرز المفارقات الجوهرية بين إدارة البشر لأسرهم ومؤسساتهم ومنظماتهم بمنأى عن رسالة الله للبشرية -المتمثلة في عبادة الله تعالى وحده- وبين من أدار أسرته ومؤسسته بنور من الله تعالى ودينه القويم !!

ولتكن مؤسسة الأسرة هي المثال الذي نقيس عليه هذه المفارقات الجوهرية بين المؤسسة الربانية وغير الربانية !!

كما أرجو ألا يعترض علي معترض لاختياري الأسرة في حديثي عن الإدارة .. لقد مست دورات الإدارة في هذا العصر كل شيء، حتى أنها مست تأهيل من يرغب في الزواج !! وهناك دوراة تُسمى الإدارة بالقيم !! فكيف عساها ستكون إدارة المؤسسات والشركات؛ إذا لم تنقد في أهدافها وصياغة رسالتها وفق رسالة الله تعالى للبشرية: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} ؟؟!!

عن مؤسسة الأسرة؛ فإن عقلاء الغرب يتكلمون عن تلاشي دور الأسرة لديهم في هذا العصر أمام تيار الإباحية الجارف؛ الذي نبذ الدين وراءه ظهريا !!

أليست عبادة الشيطان وطاعته هي التي أوصلتهم إلى أن تتكون أسر كثيرة من شاذين وشاذات، قال تعالى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس : ٦٠] ؟؟!!

أين أحكام الزواج الربانية التي لا تقر بزواج الشاذين؛ والتي قصرت الزواج على أن يكون بين رجل وامراة؛ المنبثق من الرسالة العظيمة: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُه} ؟؟!!

وأين حقوق الزوج والزوجة والعلاقة بينهما؛ التي ينبغي أن تُدار بها كل أسرة، تلك الحقوق المنبثقة من الرسالة العظيمة: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} ؟؟!!

إن بداية الإدارة الناجحة الصحيحة -لكل مؤسسات الدنيا؛ بدءا بالأسرة وانتهاء بأكبر المؤسسات فيها- أن تُصاغ رسالتها وفقا لرسالة الله تعالى الخالدة للبشرية، ولا تخرج عن نهجها القويم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!