التأمل المفيد (٣٤)

الحلقة الرابعة من سلسلة “الشيطان العدو الأكبر”، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : ٦] !!

بعد أن استعرضنا في الحلقات الماضية المواجهة العقدية الصحيحة في عداوة الشيطان الرجيم، وفق المنهج الرباني -حيث أننا لم نناقش بعد، المواجهة العملية في عداوته- نطرح سؤالا ملحا: ما الذي حصل في فكر بعض أبناء المسلمين من خطأ تجاه عداوة الشيطان الرجيم، حتى سقطوا صرعى مكره وكيده بهذه السهولة ؟!!

إن الفهم الخاطئ لقول الله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}[النساء : ٧٦]، هو أحد الأسباب الكبيرة وراء نجاح الشيطان الرجيم في إغواء من أغوى من المسلمين، ذلك أن بعض أبناء المسلمين لا يعرف سوى هذا الجزء الأخير من الآية: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}، ولا يحفظ الآية كاملة ولا يعرف تفسيرها، فظن –بالرغم من بيان الله تعالى لشدة كيد ومكر الشيطان الرجيم في مواضع كثيرة في القرآن الكريم- ظن أن كيده ضعيف مع كل الناس، سواء مع من عاداه من المؤمنين الصادقين، أو مع من لم يعاديه، ممن اتخذه ولياً له من دون الله تعالى !! 

جاء في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء : ٧٦]: “الذين صدَقُوا في إيمانهم اعتقادًا وعملا يجاهدون في سبيل نصرة الحق وأهله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل البغي والفساد في الأرض، فقاتلوا أيها المؤمنون أهل الكفر والشرك الذين يتولَّون الشيطان، ويطيعون أمره، إن تدبير الشيطان لأوليائه كان ضعيفًا” !!

إذن كيد الشيطان ضعيف أمام المؤمن الصادق الذي يؤمن بأنه حقيقة وواقع يجب ألا يُنسى، كالإمام أحمد بن حَنْبَل رحمه الله، كان يقول عند احتضاره: لا بعد، لا بعد..فلما سئل عن ذلك قال: الشيطان واقف عند رأسي يقول: فتني يا أحمد، وأنا أقول: لا بعد، لا بعد.[البداية والنهاية (10/375)] !! 

أمّا من أناخ له القياد، وقال له اركب؛ فسيكون كيدالشيطان عليه خطيرا !!

لا شك أن الإمام أحمد رحمه الله كان يتدبر ويتأمل قوله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا • لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا • وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا • يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا • أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} [النساء : ١١٧ – ١٢١] !!

وفيما يلي نستعرض بعض الأمثلة من واقع المجتمعات المسلمة، نبين من خلالها كيف يقود الشيطان كل من استخف بكيده، ولم يتخذه عدوا، ظانا أن كيده ضعيف !! وذلك لضعف إيمانه بوجوده ووسوسته وهمزه ولمزه !!

كيف بالله يعتقد إنسان أن كيد الشيطان ضعيف، أمام ما سأذكره من تقصير من بعض المسلمين في بعض الجوانب، وما ينتج عن ذلك التقصير من خلل عظيم ؟!

التقصير في العمل بشرع الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سواءً على مستوى الأفراد أو المجتمعات، إلا ما رحِم ربي، واتباع خطوات الشيطان، لدرجة التقليد الأعمى لموضات وصرخات الكافرين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه, قالوا اليهود والنصارى, قال فمن الناس) !! [متفق عليه] !!

 التقصير بالاستجابة لتحريشه بيننا نحن المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)  [رواه مسلم (7281)]، فنتقاطع ونتدابر ونتباغض ويظلم بعضنا بعضا، مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لنا بأن نكون إخوة متحابين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا !!

التقصير في ذكر البعض لله تعالى !! قال تعالى {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة : ١٩] !!

الركون إلى الدنيا , والكسل عن الدعوة إلى الله تعالى، وهو ما يتمنىاه عدو الله إبليس، ففي الحديث بين صلى الله عليه وسلم كيف يقعد الشيطان للمسلم في أمر الدعوة: ( … ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال تجاهد، فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتُقتل، فتُنكح المرأة ويُقسم المال، فعصاه، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة) صححه الألباني [صحيح الجامع (2532)]، وقد نجح عدونا اللدود في تثبيط كثير من أبناء المسلمين، فبخلوا حتى بأوقاتهم أن يبذلوها في سبيل الدعوة لهذا الدين العظيم ونصرته !!

وأنهي هذه الحلقة بآيات من كتاب الله تعالى، فيها تحذير شديد من عبادة الشيطان، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ • وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ • وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ • هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ • اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون} [يس : ٦٠-٦٤] !!

في الحلقة القامة، نبدأ بإذن الله تعالى في طرح المواجهة العملية لهذه العداوة الأزلية للشيطان الرجيم !!

اللهم إنَّا  نعوذ بك من الشيطان وحزبه !! 

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!