الحلقة الثالثة من سلسلة “الشيطان العدو الأكبر”، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : ٦] !!
بعد أن استعرضنا في الحلقة الماضية شيئا من مواجهة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم للشيطان الرجيم، نستكمل في هذه الحلقة منهج بعض الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ثم سلفنا الصالح رضوان الله عليهم في مواجهة الشيطان وجنده –عدو البشرية الأكبر, الذي صادقه كثير من الإنس اليوم بدلا من معاداته، فأخل بأمن الأسر والمجتمعات والدول قاطبة، إلا من رحم الله تعالى- !!*
بين القرآن الكريم والسنة المطهرة أن الأنبياء من قبله، عليه وعليهم الصلاة والسلام, كانوا أيضا يواجهون الشيطان بجدية متناهية، مبنية على اليقين بوجوده، وشدة كيده ومكره !! فهذا نوح عليه السلام، يواجه الشيطان وحزبه ألف سنة إلا خمسين عاماً، بعد أن زين الشيطان للناس في عهده عليه السلام عبادة الأصنام، فقد ورد في الأثر أن وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسرا: “أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِخ العلم عبدت” [روا البخاري 4920] .. ثم جاءهم العذاب، وأغرقهم الله تعالى بالطوفان !! وما نفعتهم آلهتهم التي زينها لهم الشيطان .. وما حصل في تلك الحقبة، إنما هو إخلال بالأمن تسبب فيه اتباع الشيطان من قبل قوم لا يأبهون به، ولا يحسبون له أي حساب !!*
وأمّا نبي الله إبراهيم، خليل الله عليه الصلاة والسلام، *فبالإضافة إلى تصريحه عليه السلام أن من أكبر جرائم إبليس، عصيانه لله العظيم،* كما قال تعالى: {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا} [مريم : ٤٤]، فقد أخذت عداوته للشيطان منحى جديدا في عهده، حيث شرع الله تعالى له، وللنبيين من بعده، عبادة تُذكِّر المسلمين خاصة، وتذكِّر البشرية عامة، بحقيقة العلاقة بينهم وبين الشيطان الرجيم، الذي جاء التحذير منه في جميع رسالات السماء: بأنها العداوة أبداً حتى يوم الدين، وأنه الرجم له ولمنهجه الخبيث، حتى يرث الله الأرض ومن عليها !! وقد جعل الله رمي الجمار شعيرة تؤدى في محفل كبير يحضره الملايين، ويسمع به جميع البشر ويعرفون تفاصيله، خاصة بوجود الفضائيات والإعلام الجديد، مما مكن العالمين أن يروا هذه العبادة، في كل عام !!
منهج الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح في عداوة الشيطان:
لا غرابة في أن ينهج الصحابة رضوان الله عليهم نهج نبيهم صلى الله عليه وسلم، ونهج أسلافه من النبيين والمرسلين عليهم السلام في عداوة إبليس، فقد كان صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، وكانوا يقتفون أثره في كل شيء، ولذا فهم لم يهزموا الشيطان فقط، بل أصبح الشيطان يخافهم، كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما قال لعمر رضي الله عنه: (لو سلكت فجا لسلك الشيطان فجا غيره) [متفق عليه] !! وأصبح الرجيم ذليلاً حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) !! [السلسلة الصحيحة 3586] !!
وهكذا كان سلفنا الصالح، يحذّرون من خطر عدو الله إبليس اللعين، ويصنفون في ذلك الكتب والمصنفات، ومن أنفسها ذلك السفر المسمى “تلبيس إبليس” للإمام ابن الجوزي رحمه الله، فقد نهج ابن الجوزي في كتابه نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وعلماء القرون المفضلة، في بيان خطر العدو الأكبر وتلبيسه الحق بالباطل على عباد الله في كل الأمور !!
عاش ابن الجوزي رحمه الله في القرن السادس الهجري, حيث توفاه الله عام 597هـ .. يعرِض في كتابه، تلبيس إبليس، لمعظم -إن لم تكن جميع- الانحرافات العقدية والسلوكية التي عاصرها، وبيَن تلبيس إبليس الحق بالباطل لمن اقترف تلك الانحرافات، حتى أنه رحمه الله تتبع تلبيسه على النساء: (بأن تستهين بإسقاط الحمل، ولا تدري أنها إذا أسقطت ما قد نُفِخ فيه الروح فقد قتلت مسلماً، وقد تستهين بالكفارة الواجبة عليها عند ذلك الفعل، فإنه يجب عليها أن تتوب وتؤدي ديته إلى ورثته)!! وانظر إلى جريمة الإجهاض للجنين التي تفنن الشيطان في تزيينها لغير المسلمين في هذا العصر، حتى يسهل لهم ارتكاب جريمة الزنا، التي قبحها الإسلام أشد تقبيح، حتى جعل الرجم عقابا لمرتكبيها المحصنين إذا ثبت جرمهم !!
وانظر ما يقوله في تسويف الشيطان لليهود والنصارى: (كم خطر على قلب يهودي ونصراني حب الإسلام، فلا يزال إبليس يثبطه ويقول: لا تعجل وتمهل في النظر، فيُسوّف حتى يموت على كفره) !! هذا وإن إقبال كثير من غير المسلمين على الإسلام، ليدل على أن أضعافهم في العدد، قد ثبطهم إبليس عن قبول الإسلام !!
هكذا اشتمل كتابه على تلبيس إبليس في أبواب العقائد والعبادات، وتلبيسه على أهل الفرق الضالة، وتلبيسه على العلماء والولاة والسلاطين، وعلى الزهاد، والعوام !!
وهكذا كان تصور سلفنا الصالح، وهكذا يجب أن تكون تصورات المؤمنين على مدى تاريخ البشرية، عن عدوهم الأكبر الشيطان كما بين الله تعالى في كتبه، وبينته رسله عليهم الصلاة والسلام في نهجهم، بأنه حقيقة وواقع يجب ألا يُنسى، تماما، كما كان يقينهم بوجود الله سبحانه وتعالى، وتصريفه لملكه، ويقينهم بوجود الجنة والنار !!
نستكمل الحديث في حلقة قادمة بإذن الله تعالى، وفيه أعرض للخلل الكبير في مواجهة الشيطان الرجيم في هذا العصر !!
اللهم إنَّا نعوذ بك من الشيطان وحزبه !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!