التأمل المفيد (٣٢)

الحلقة الثانية من سلسلة “الشيطان العدو الأكبر”، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : ٦] !!

والتي سأبين فيها، بعد توفيق الله تعالى، المنهج الرباني في مواجهة العدو الأزلي ودحره -عدو البشرية الأكبر، الذي أخل، ولا يزال يخل بأمن الأسر والمجتمعات والدول قاطبة، في جو من التفرج والاستسلام وعدم المقاومة لكيده ومكره من قبل البشرية، إلا من رحم الله تعالى !!
 
تبين لنا في الحلقة الأولى أن القرآن الكريم صريح في الإشارة إلى أن الشيطان وجنده خلف كل انحراف، وأن المواجهة يجب أن تتوجه إليه أولاً قبل أي عدو آخر من أتباعه، قال تعالى: *{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : ٦] !!
 
وفي هذه الحلقة، أعرض -مستعينا بالله تعالى- شيئا من منهج النبي عليه الصلاة والسلام في عداوته لإبليس وجنده !!
 
حينما تكون مواجهتنا للشيطان تنبع من يقيننا بوجوده، وشدة عداوته، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل، حينها نكون قد استوعبنا وترسخ لدينا التصور الصحيح عن الشيطان !!
 
نبدأ بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحركة الشيطان الرجيم الدؤوبة في الإغواء، قال صلى الله عليه وسلم : (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) [متفق عليه] .. قال النووي في المنهاج عند شرح الحديث:  “قال القاضي وغيره: قيل: هو على ظاهره، وأنَّ اللهَ جعل له قوَّة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجاري دمه، وقيل: هو على الاستعارة لكثرة إغوائه، ووسوسته فكأنَّه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه.”.. كلا التفسيرين يشيران إلى خطر الشيطان الكبير !!

ونظرة إلى توجيهه صلى الله عليه وسلم في قضية الخلوة بالنساء، نجده صلى الله عليه وسلم يبين لنا خطورة دور الشيطان في هذا الأمر، وتزيينه للمختليين بارتكاب الفاحشة، وذلك بحضوره هذه الخلوة، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يخلون رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما”  [صحيح الجامع 2546]، هذا ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم، رحمة بأمته أن يزلها الشيطان، قال تعالى: *{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا • يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء : ٢٧-٢٨] !!
 
أما ما يقوله غير المسلمين، الذين يلعبون بالنار في تعاملهم مع الشيطان، حيث لا يشغلهم أمره البتة !! وينظرون لمنع الخلوة، بأنه اتهام للناس بضعف في الشخصية، واتهام للرجل والمرأة على عدم القدرة  على التحكم في غرائزهما !! 

هذا هراء !! فهم هنا يكذبون مرتين، أولا: تكذيبهم لله تعالى وحكمته في تشريعه، وهو أعلم سبحانه بمن خلق !! وقد خلق الإنسان ضعيفا !! وتحريم الخلوة لا علاقة له بتهمة ضعف الشخصية، فالجنس ليس مجالا لاستعراض قوة الشخصية أو بيان ضعفها، إنما مجال قوة الشخصية وضعفها، يكون في ميادين البذل والتأثير وامتلاك النفس عند الغضب !! 

كان ذلك دحضا للفرية الأولى !!
أما الثانية: فأين التحكم والسيطرة على النفس عندهم، ومجتمعات الإباحيين -من أهل الكتاب والمشركين- تشتعل ناراً من سعار الشهوة الهابط والشذوذ وجرائم الاغتصاب، وغيرها من جرائم الجنس، التي ليس لها سبب، إلا القوانين البشرية التي تمردت على منهج خالقها وموجدها، وسمحت بالسفور والخلوة بين الجنسين، زاعمين أنها المساواة ؟!! لكنها والله، المعاناة التي تعاني منها النساء قبل الرجال، في عصر ابتعد الكثير فيه عن هدي الإسلام، دين السلام الحقيقي للأفراد والمجتمعات !!
     
وكذلك من هديه صلى الله عليه وسلم في مواجهة الشيطان، توجيهه صلى الله عليه وسلم بالحفاظ على جماعة المسلمين، والتحذير من الفرقة التي جعلها من عمل الشيطان، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) [صحيح الجامع 2546] !!

ومن خبث الشيطان ومكره، أنه مع حرصه على تفريق جماعة المسلمين وشق صفهم، حريص على توحيد صف حزبه حول هدف إغواء البشرية، واسمع إلى قوله تعالى الذي يتضح فيه عمل الشياطين الجماعي، قال تعالى: *{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام : ١٢١] !!

فالشياطين على كلمة رجل واحد، ويوحون إلى أوليائهم من الإنس كلاماً واحدا، وهذا العمل الشيطاني، يُعد من التخطيط الاستراتيجي في علم الإدارة، حيث حلل الشيطان نقاط القوة والضعف في الإنسان وبيئته، وعرف أن اجتماع المسلمين نقطة قوة يرتكزون عليها، فعمِل على إضعافها !! فليحذر المسلمون من الفرقة فإنها عذاب ووبال، وليحافظوا على اجتماعهم ففيه الرحمة، وليتذكروا خطاب الله سبحانه وتعالى لهم بصفة الجماعة،(يا أيها الذين آمنوا)، وما قال سبحانه (يا أيها المؤمن) !!

وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفضح الشيطان باسمه -خنزب-  وهو شيطان يوسوس للمصلين، وعلمهم صلى الله عليه وسلم كيف يطردونه، مما رسخ لدى الصحابة رضوان الله عليهم وجود عالم الجن والشياطين , وأنه واقع يجب التعامل معه وفق منهج الإسلام !!

 ومن ذلك تعليمه، صلى الله عليه وسلم, عند دخول الخلاء، أن نقول بسم الله، حتى نمنع الشيطان من رؤية عوراتنا، قال صلى الله عليه وسلم: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم ، إذا دخل أحدهم الخلاء، أن يقول بسم الله)  صححه الألباني [صحيح الجامع 3611] !!

إنه فضل الله علينا، أن بعث إلينا الرسول صلى الله عليه وسلم, يعلمنا كل شيء عن عدو البشرية الأكبر، حتى نحذره ولا نتبع خطواته !!    

اللهم إنَّا نعوذ بك من الشيطان وحزبه !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!